تستضيف “المبادرة الدنماركية المصرية للحوار”، مساء الثلاثاء الثامن والعشرين من يوليو، بث مباشر لاجتماع بشأن “إعادة تجديد مبنى رباط” ، وهو مشروع لمختبر القاهرة للتصميم والدراسات “كلستر”، بوسط القاهرة الذي يركز على الممرات والأسطح ، وكذلك جعل الفن والثقافة محفزاً للتنمية العمرانية
، العرض التقديمي لمؤسسي “كلستر” عمر نجاتي، وبيث سترايكر، سيتبعه أسئلة وأجوبة في البث المباشر، ورغم أن التصميم النهائي “لإعادة تطوير مبنى رباط” لم ينفذ ، فإن المشروع يقدم دروس مستفادة، بداية من مرحلتي التصميم والتفاوض مع الملاك، وكذلك التحديات التقنية والمادية والقانونية التي واجهت “كلستر”، وسيستعرض كل من عمر نجاتي وبيث سترايكر المراحل والتجارب التي مروا بها على مدار ثلاث سنوات بين 2016 و 2018
:رابط الفعالية
المقال أدناه يعطي فكرة أشمل عن المشروع، ولقراءة التقرير الخاص بالمشروع يرجى الضغط هنا
دبلوماسية العمران
بقلم راسموس بوجيسكوف لارسن
إن التوصل إلى اتفاق بشأن التنمية العمرانية في وسط القاهرة مهمة صعبة، فهي تعتمد على التوفيق بين مجموعات متعددة من الأطراف متضاربة المصالح والتي تنعدم الثقة فيما بينها بشكل متعمق الجذور.
هذا هو أحد أسباب سواد الحالة الحزينة بوسط القاهرة التي بناها الخديوي إسماعيل في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين والتي تم تصميمها بشكل جزئي على غرار باريس وفيينا. على الرغم من طلاء واجهات العديد من المباني المبنية بطراز “الأرت ديكو” كل فترة، فإن هذه العمليات التجميلية لا تغير حقيقة أن أغلب وسط مدينة القاهرة يتآكل من الداخل. بالإضافة لذلك فإن مساحات ضخمة في مواقع متميزة متروكة دون الاستخدام والتطوير المطلوب.
ومنذ عام 2011، يعمل مختبر عمران القاهرة للتصميم والدراسات الحضرية والتدريب والبحوث البيئية، “CLUSTER”، على محاولة تخطي هذه المعوقات وعكسها أو على الأقل تطوير نموذج للتمكن من تحقيق ذلك. ونتج عن هذه المحاولات مجموعة من مبادئ “دبلوماسية العمران” التي تم اختبارها في مشروعين تجريبيين بدعم من المبادرة الدنماركية المصرية للحوار. ويمكن لهذه المبادئ أن تثبت أهميتها الحاسمة بالنسبة للمشاريع المستقبلية للتنمية الحضرية سواء في وسط القاهرة أو في المدينة ككل.
وكما اختتم مختبر عمران القاهرة (CLUSTER) تقريره عن هذه المشاريع: “إن المساحات البينية الموجودة في المجال العام التي يقترح مختبر القاهرة إجراء تدخلات بها، لا تقتصر فقط على وسط المدينة بل قد تكون مصادر للتطوير في مختلف أنحاء القاهرة”.
الزراعة على السطح
في المرحلة الأولى، ركز مختبر عمران القاهرة على تطوير وتغيير الممرات، وفي عام 2015 افتتحت ممرات “كوداك” و”فيليبس” المتفرعين من شارع عدلي بوسط القاهرة بعد إعادة تصميهما والذي تحقق بعد نجاح إشراك الأطراف المعنية المحلية، وبالتعاون بين المهندسين المعماريين والفنانين المصريين والدانماركيين.
ولقد استقبل عامة الناس “الواحة الخضراء” و”واحة الضوء” الجديدتين في هذين الممرين بشكل جيد مما شجع مختبر عمران القاهرة والمبادرة الدانماركية المصرية للحوار على مواصلة هذا التطوير من خلال مرحلة ثانية. وفي هذه المرحلة كان التركيز على أسطح المنازل باعتبارها مساحات “بينية” تتمتع بإمكانات كبيرة للتطوير. وقد تم اختيار مبنى “رباط” بشارع شريف والذي شيد في الثلاثينيات بواسطة وكالة فرنسية كموقع.
وتعتبر الممرات والأسطح المماثلة مساحات شبه عامة منسية، تعاني من مشكلات بنيتها التحتية ولكنها في نفس الوقت تحمل فرصا متميزة للتطوير. وتعتبر “الأسطح” أقل المساحات تأثرا بعوامل مثل الضوضاء والآمن بسبب أنها مساحات مرتفعة عن الأرض، ذات ملكية خاصة وتمثل ملاذا آمنا لإقامة فعاليات عامة.
في مشروع إعادة تجديد مبنى “رباط”، حرص مختبر عمران القاهرة على الجمع بين تطوير السطح وسلالم المبنى والممر المؤدي إليه. وفي الوقت نفسه ترميم واجهة المبنى وتصميم لافتات جديدة للمحلات والفنادق الموجودة بالمبنى. حرص هذا النموذج من التطوير على التصدي للمشكلات المختلفة التي تواجه منطقة وسط القاهرة بأسلوب متكامل: على أمل أن يشجع هذا أصحاب المصالح للعمل على تطوير وإعادة تجديد المبنى كله.
وبعد الكثير من البحث قرر مختبر القاهرة استخدام السطح للزراعة. وتم وضع تصور أن المساحات الخضراء بالسطح ممكن أن نصبح مقرًا لإقامة فعاليات ثقافية، ومطعم لتقديم الوجبات الصحية، ومشروع تجريبي للطاقة المتجددة. وكان هدفاً أساسياً أن يشترك من يقطنون الأسطح وإن كان بوضع اليد وبشكل غير قانوني في هذه المبادرات باعتبارهم مجموعة من الفئات الأقل حظا والذين يتم استبعادهم وتجاهلهم في أي مبادرة للتنمية.
“فبدلا من طردهم من السطح، وضع المشروع تصورًا لإشراكهم وتوظيفهم في الحفاظ على المساحات الخضراء والتجهيزات الخاصة بالطاقة المتجددة بالسطح، وأيضا إمكانية توظيف بعض منهم في مطاعم أو مقاهي بالسطح”. (من شرح المشروع مختبر القاهرة).
مهمة دبلوماسية شائكة
اضطرت مجموعة مختبر عمران القاهرة للتعامل مع العديد من أصحاب المصالح مثل السكان ومالكي المحلات بمبني رباط، وأيضا الفنادق ومنظمات المجتمع المدني ومطوري العقارات، والسلطات المحلية. وكما جرت العادة بالقاهرة، يتم حل أي تعارض في المصالح بين مثل هذه الأطراف بشكل فوقي بما يعكس موازين القوى. ولكن مختبر عمران القاهرة اثبت أنه من الممكن لوسائل أخرى أن تكون فعالة.
فمثلا في حالة مشروع الممرات، أنشئ ما يسمى ب “مجلس إدارة الممر”، وهو هيئة لإدارة المجال العام بما يساعد على التوصل لحلول ترضى جميع الأطراف.
وفي حالة مبنى ” رباط، كانت العملية أكثر صعوبة وتطلبا، بسبب أن التطوير المقترح ربما من شأنه أن يعود بالفائدة على البعض أكثر من الآخرين. ولذا كان على مختبر عمران القاهرة التوصل إلى مجموعة من الحلول التي تضمن تخفيف الأضرار المحتملة وإيجاد تعويض بديل للأطراف على الجانب الخاسر من المعادلة.
وعلى الرغم من دنو المهمة الدبلوماسية من تحقيق ثمارها المرجوة، إلا أنه قابلها العديد من المعوقات الغير متوقعة التي أدت إلى دفعها بعيدا عن مسار الحلول، فأولا، اكتشف فريق مختبر عمران القاهرة أن قاع المبنى مغمور في مياه الصرف الصحي منذ عقود مما أسفر عن أضرار خطيرة بهيكل المبنى تجعل البدء في مشروع التجديد غير مأمونًا. ونتج عن هذا تأخيرٌ في التنفيذ أدى إلى إعادة التفاوض في العقد مع الملاك، وفي النهاية، تم التوصل إلى اتفاق معهم من حيث المبدأ، ولكن الفريق اكتشف أن المحامي الذي يعمل بالنيابة عن الملاك حاول عمدا عرقلة العملية لأنه لن يستفيد من الحلول المقترحة.
ثانيا، الهبوط المفاجئ في قيمة الجنيه المصري الذي حدث في نهاية عام ٢٠١٦، أدي إلى انخفاض قيمة التمويل المخصص لهذا المشروع إلى النصف، مما جعل من المستحيل تنفيذ المشروع لأنه كان من الصعب إرضاء جميع الأطراف المعنية.
ولكن حتى لو كان من الضروري التخلي عن مشروع تطوير السطح، فإن تحديات المرحلة الثانية ساعدت في تقوية فريق مختبر عمران القاهرة واختبار وتطوير مبادئه في الدبلوماسية العمرانية. وقد اتثبت هذه التجارب قيمتها في المشاريع التي تلت ذلك وبرهنت على إمكانات هذا النموذج الجديد للتنمية العمرانية.
وكما يختتم مختبر القاهرة تقريره عن المشروع:”في النهاية، سعى مشروع إعادة إحياء مبنى كرباط” إلى تقديم بديل للنهجين الشائعين المعمول بهم لإعادة تنشيط وسط مدينة القاهرة حاليا. ومع الإقرار بأن التنوع الاجتماعي الاقتصادي بالإضافة إلى إشراك الجميع هم السمة المميزة لشخصية وسط المدينة، فإن مشروعنا يقدم نموذجاً تطويريا متوازن ومتعدد الطبقات ويتجاوز التوجهات الجمالية أو الهادفة للربح”.
لمعرفة المزيد: “مشروع إعادة إحياء مبنى رباط بوسط القاهرة” مختبر القاهرة ٢٠١٩
راسموس بوجيسكوف لارسن- صحفي دنماركي متخصص في الشرق الأوسط.
حقوق الصورة لمختبر عمران القاهرة للتصميم ولدراسات “كلستر”