كانت الشمس تسدل خيوطَها الأخيرة فوق وسط البلد بالقاهرة عندما اجتمع حشدٌ كبيرٌ من الناس أمام ممر كوداك، وهو عبارة عن واحة خضراء صغيرة للمشاة منزوية بعيدًا عن شارع عدلي الصاخب، فهناك أُعيد تطوير المتجر القديم لكوداك وأيضًا المعمل والجراج ليتحولوا إلى معرض. هنا تُقام ليلة افتتاح معرض “صورة وحكاية” وتملأ الأجواء مشاعر الإثارة والفخر والاحتفال. ويهنئ الأصدقاءُ والعائلةُ المصوِّرين بينما يتوقف المارة ليرَوا سبب كل هذا الضجيج.
في داخل المكان صور قصصية هي نتاج مجهود أحد عشر مصورًا مصريًّا موهوبًا. يتصدَّر “الناجيات” مركز الوسط بصورٍ آسرةٍ وعميقة لنساء حاربن سرطانَ الثدي وقصص تحكي الصمود أمام الفقدان أو الابتزاز أو الاعتداء الجنسي أو البقاء على قيد الحياة في مدينة القاهرة الكبرى. يتجول الزائرون في القاعة بأرضيتها وأعمدتها الخرسانية الخام وتبرز القصص لتترك بصمة على المشاهدين وتكشف عن جانب غير مرئي من صناعة عروض الأزياء التلفزيونية وعمليات الخطف وعمالة الأطفال.
يأتي المعرضُ نتاجًا لأربع ورش عمل استضافتها مبادرة ديدي وأدارها سورين باكتر وجيته لوك ومادز جريف من الكلية الدنماركية للصحافة والإعلام (DMJX). منذ نوفمبر 2021، بدأوا في تعليم المشاركين المصريين سرد القصص المرئية والأنواع الأدبية وأخلاقيات العمل والصور الذاتية وكتابة القصة. والآن انعكست جميع الدروس التي تعلَّموها في قصتهم النهائية لمعرض “صورة وحكاية” الذي يُقام في ممر كوداك.
على أحد الجدران الخرسانية، جرى تثبيت ست صور تعرض أنبوبًا من معجون الأسنان وليمونةً مُقطَّعةً وعدة صور لرجل ذي لحية طويلة. “لمّا بافكر مع نفسي، بلاقي إن مش ده اللي المفروض أقضي فيه حياتي على الأرض،” جملة مُستقطعة من نص أطول مثبتة بجوار الصور.
يتوافد المزيد من الناس ويجتمعون حول صورة قصصية بعنوان “بين المطرقة والسندان”، مستكشفين سلسلةً من الصور الذاتية رسمها معتز زكي موثِّقًا رحلته في العودة إلى شغفه مرة أخرى.
منذ أكثر من عشرة أعوام، بدأ معتز زكي مسيرته مصورًا صحفيًّا في مصر، ولكن بعد اندلاع الثورة عام 2011، سافر إلى الخارج ليقيم في ماليزيا ويعمل في وظيفة روتينية من التاسعة صباحًا إلى الخامسة مساءً. وبعد سبع سنوات، عاد للقاهرة مرة أخرى وأنتج مشروعًا لصورة شخصية جدًّا أعادت اكتشاف حبه للتصوير ووضعها بعد ذلك في المعرض.
قال معتز: “بالنسبة لي، اختيار الموضوع والالتزام به مكنش حاجة سهلة. قعدت ليالي كتيرة مش عارف أنام، وحتى بعد ما التزمت بكده، مرت عليَّ أيام حسيت فيها أن مشروعي ناقص ومش شامل.” واصل معتز شرح فوائد العمل مع المدربين من الكلية الدنماركية للصحافة والإعلام قائلًا: “كان وجودهم هنا تجربة رائعة، كانوا عاملين زي نظام جي بي إس بيرشدك خلال رحلتك الصعبة، مش متأكد بالظبط أنا عايز أروح فين، لكن اللي أعرفه كويس إني لازم أكمل رحلتي”. هكذا اختتم حديثه بابتسامة.
قارب يوم السبت الدافئ على الانتهاء في وسط البلد بالقاهرة في ليلة افتتاح المعرض، وتوقف أكثر من 400 زائرٍ لمشاهدة المعرض وانتهاز الفرصة للتحدث إلى المصورين.
قال محمد أنور: “حاجة ممتعة أوي إنك تشوف الناس متفاعلة مع شغلك”. على ضوء نشأة محمد في المنصورة، تستكشف قصته المصوَّرة علاقة الغربة التي تربط العديد من الوافدين الجدد بمدينة القاهرة الضخمة. وُضعت سلسلة من صور أبيض وأسود على الجدار الخرساني، محاطة بقصص صغيرة لقطب ومنّة ومنى وعطية، جمعها كلها عنوان واحد؛ “ماذا أفعل هنا؟”.
شرح محمد أنور العملية السابقة للمعرض قائلًا: “المعرض فتح مجالات للحوار بيننا، لأن في شخص بعد ما اتفرج على الصورة القصصية بتاعتي وقراها، جه وشرح لي إزاي ارتبط برسالتي لأنه بيمر بتجربة عاطفية شبيهة”.
واستأنف: “أنا مانظمتش معارض قبل كده، وعلشان كده شغلي عن قرب مع ناس عندها خبرة سنين زي سورين وجيته خلّاني أشوف أهمية كل تفصيلة- هل ده الحجم الصح؟ محتاجين نحط إيه جنب إيه؟ هل مكان النص هنا سليم؟ وجودي في كل خطوة كان ليه شعور مدهش.”
على الجدار الخلفي للقاعة، تظهر أعمال نادين خليفة وهي تعرض أطفالًا ومُسنين واقفين بين مبانٍ مُهدَّمة ساطعة الألوان. يدور مشروعها حول البنية التحتية المتوسعة التي تحدث في القاهرة وكيف تؤثر على المناظر الطبيعية والمجتمعات المحلية.
لم تعمل نادين أبدًا بشكل احترافي في التصوير الفوتوغرافي، لكنها تتمتع بخلفية في مجال التطوير، قالت نادين: “شغلي كان دايمًا مخليني على اتصال بأشخاص مختلفين وخصوصًا المستضعفين. كنت دايمًا بافكر إزاي أقدر أحكي قصصهم وأعتقد أن التصوير الفوتوغرافي هايخليني أعرف أعمل كده.”
الرغبة في سرد قصص المستضعفين وغير المسموعين والناجين هي ما تكمن وراء جميع القصص الإحدى عشرة. يتأمل سورين باكتر، رئيس قسم التصوير الصحفي في الكلية الدنماركية للصحافة والإعلام، في موضوعات القصص المصورة ويقول: “بالنسبة لي، أفضل وصف للمشاريع دي هو الشجاعة. لأنهم بيتعاملوا مع قصص صعب تتحكي، ولكن استخدام نهج شخصي وعميق خلّانا كلنا كمتفرجين وقراء نرتبط بالصور”.
توافد أكثر من 1200 زائر لمشاهدة معرض “صورة وحكاية”، وكان ذلك أمرًا مهمًّا للغاية لمعتز زكي، فقال: “معنديش أعمال منشورة ليَّا من فترة طويلة لأني كنت عايز أقدم عمل له تأثير حقيقي. ماكنتش عايز شغلي يكون مجرد صور كويسة، لكن كنت عايزه يبقى قصة يرتبط بها الناس وتلهمهم ويرتبطوا بيها على مستوى إنساني سامي. ملاحظتي للناس وهما بيقضوا وقت علشان يقروا قصصنا بيحرك جوايا شعور بالحماس والرضا.”
سورين باكتر، رئيس قسم التصوير الصحفي بالكلية الدنماركية للصحافة والإعلام
جيته لوك، أستاذ مساعد متقاعد بالكلية الدنماركية للصحافة والإعلام
مادز جريف، أستاذ مساعد بالكلية الدنماركية للصحافة والإعلام
إسلام صفوت
أحمد مصطفى
سالي جندي
نادين خليفة
معتز زكي
محمد أنور
شروق غُنيم
سهل عبد الرحمن
جيلان حفني
سارة يونس
لميس صلاح
أدارت المشروع مروة سعودي، مديرة المشروعات بمبادرة ديدي.