ثمانية فنانين ومدينتان وأسبوعان ونهر النيل هم العناصر الأساسيّة في برنامج المنتدى الأوّل للفنانين التّابع لمبادرة ديدي بعنوان «بعد العزل.. قِصّة مدينتين»، الذي نتج عنه إلهام وتأمُّلات مُذهلة.
بقلم/ إيزابل مولر
دار حديث فني مع الفنان المصري الشهير خالد زكي في ورشته. كان هذا الحديث إحدى التّجارب التي لا تُنسى لمجموعةٍ مِن الفنانين التشكيليّين الشّباب تتكوَّن مِن أربعة فنانين دنماركيين وأربعة مصريين في أثناء اليومين الأوّل والثاني مِن منتدى الفنانين عام 2021 في القاهرة. بعد زيارة عددٍ مِن المعارض بما فيها معرض «العودة» الخاصّ بالفنان خالد زكي في معرض أوبنتو تقابَلت المجموعة معه شخصيًّا. وتعتمد أعمال الفنان خالد زكي على مصادرَ مُتعدِّدةٍ تتراوح ما بين تماثيل يرجع تاريخها إلى مصر القديمة وتماثيل إيطاليّة تنتمي إلى عصر النّهضة والحداثة المصريّة، وتعكس مدى ثراء التّراث الذي يعتمد عليه الفنانون المصريّون.
يُشير موضوع منتدى «بعد العزل.. قِصّة مدينتين» إلى حالتنا الذّهنيّة الحاليّة وإلى مدينتَي أسوان وهانستولم. أسوان هي المحطّة التّالية للفنانين خلال وجودهم في مصر، وتأتي بعدها المدينة السّاحلية هانستولم في مايو العام القادم، عند انعقاد الجزء الثّاني مِن المنتدى في منارة شمال الأطلسي.
بعد يومين مِن التّعريف بالمَشهد الفني في القاهرة، بدأت الرّحلة إلى أسوان حيث وصل المُشاركون إليها بالقطار. خلال هذه الرّحلة بطول 850 كيلومترًا على ضفتي نهر النيل والشّعور بأهميّتها وعظمتها وجد المُشاركون أيضًا فرصة للتعرُّف على بعضهم البعض أكثر ممّا خُطّط له. وأدّى تأخُّر القطار خمس ساعات واستغراق الرّحلة سبع عشرة ساعة إلى استمتاع الفنانين بالألعاب والخدع السّحريّة مع بعضهم البعض.
تقول سيدسل لاديجارد، بعد قضاء يومين في فندق نوبيان كتراكت المعزول خارج مدينة أسوان والمطلّ على النيل والضّفاف الصّخريّة والصّحراء: «لا شكّ أنّ المياه في أسوان وهانستولم مُهمّة وحيويّة لتصميم المدينتين وسُكّانها وما يعيشون عليه».
شعرت سيدسل لاديجارد، وهي نحَّاتة، بجاذبيّة وسِحر حركة المياه التي كانت مصدر إلهامها الأساسي، حين بدأت المشروع حتّى يقع عليه الاختيار للمُشاركة في المنتدى.
تُوضِّح سيدسل لاديجارد: «المياه وسيلة نقل وأنا شخصيًّا أُركِّز على طريقة تُسهِم في عمل فنّ طبيعي يستطيع التحرّك بين مكانين».
خلال أيام الإقامة الثّمانية في أسوان، صنعت سيدسل تمثالًا يدويًّا مِن حبّات الخرز الزّجاجيّة. خلال المحاولات المبذولة لتحديد حجم التمثال، كانت سيدسل تتأمَّل كيف أنّ التّمثال لا يزال فنًّا رغم صغر حجمه.
تشعر المُخرجة جولي نيمان أيضًا بجاذبية المياه وسحرها إذ قدَّمت فيلم «رئتي الملح» المُصوَّر تحت المياه في بحار الدنمارك، وكانت تُخطِّط للغطس وتصوير لقطات تحت مياه نهر النيل، وقد زوّدتها إقامتها في أسوان بأفكارٍ جديدة.
تُوضِّح جولي: «أستكشف مسألة الجفاف وحالاته وقلّة المياه التي نراها في هذه المنطقة مِن العالم».
وقد لفت القصب على طول ضفَّتَي النّيل انتباهها، ودفعها إلى قول: «حين رأيت نبات البردي، الذي استخدمه المصريّون القدماء ليصنعوا منه الورق، ذكَّرني بالنّباتات الخضراء التي تكسو شواطئ الدّنمارك. ربما يكون هذا الرّابط واضحًا بين شمال المحيط الأطلسي ونهر النيل».
في الوقت الحاضر، يُعبِّر الفنّانون التّشكيليّون عن أنفسِهم بمجموعةٍ كبيرةٍ مِن وسائل الإعلام. ويعمل المُشاركون في منتدى الفن بالتّصوير الفوتوغرافي والرّسم بالزّيت والنّحت والغزل والنّسيج والرّسوم المُتحرّكة والتركيبات والألعاب في مشاريعهم.
تقول روان حمدي: «التقابُل مع فنانين جدد وتعلّم أساليبهم يُساعداني في الحصول على مصدر إلهام جديد». وتُركِّز روان في عملها على التّصوير الفوتوغرافي.
وتُضيف: «على سبيل المثال، جولي نيمان مُصوِّرة فوتوغرافية، وفي الوقت نفسه تُخرِج أيضًا أفلامًا بطريقةٍ تصويريّةٍ ومعاصرة، وقد استمتعت بأعمالها الفنّيّة المُركّبة، كما أنّ رؤية طريقة عملها ألهمتني وجعلتني أريد الاستعانة بهذه الخبرة في عملي الخاص».
خلال الأيام الثّمانية في أسوان، يعمل كُلّ فنانٍ في مساحةٍ مُشتركة. كان مِن الأجزاء المُهمَّة في المنتدى أن تكون قادرًا على مُتابعة العمليّة الإبداعيّة للزّملاء والإصغاء إلى اهتمامات عملهم.
تقول لوت فينتير: «مِن السّهل تتبّع فنانين مختلفين ورؤية عملهم النهائي، لكن وجودنا حول بعضنا البعض لفترةٍ مِن الزّمن يسمح بإلقاء نظرةٍ على العمليّات ورؤية كيف يعمل الآخرون؛ بدايةً مِن الفكرة في مهدها وصولًا إلى البحث والتخطيط ثمّ التنفيذ، وهذا مُلهمٌ للغاية بالنّسبة إليَّ لأنّه يُعطيني أفكارًا جديدةً».
تُوضِّح لوت فينتير: «أكبر استنتاج، حتّى الآن، هو أنني لاحظت أنّه يُمكن أن أتوه تمامًا في الإبداع. هذا حدث لي حين نظرت لرسومات الآخرين وسمعت آراءهم وأفكارهم».
ترى روان حمدي أنّ تجربة سّكان المدن الإنسانيّة في العزل تحظى بمزيدٍ مِن الأهميّة أكثر مِن المواقع التي تحتلّها مدينتا هانستولم وأسوان.
تقول روان حمدي: «لقد ركّزت على الروابط التي تجمعهم بطريقةٍ أكثر مجازية مِن حيث العزل في أثناء الجائحة. لا يهمّ المكان الذي نعيش فيه لأننا جميعًا بشر والجائحة تجربة نعاني منها جميعًا. لقد مررنا جميعًا بمرحلة التوتّر نفسها وفُقدان الإحساس بالوقت والحذر ومُحاولة العودة إلى حالتنا الطّبيعية حتّى إن اختبرنا ذلك بطريقةٍ مُختلفة».
مشروع روان هو إنشاء سلسلةٍ مِن الصّور تتأمّل في الجانب المُشرق خلال الجائحة وخلق مساحةٍ أو مكانٍ تلتقي فيه العوالم المتوازية حيث تلتقي مدينتا أسوان وهانستولم في الإغلاق والتأمُّل في القصص المحلّيّة والجوانب المُشرقة
ترى نوران فكري، وهي مُصمّمة رسوم مُتحرِّكة تصف نفسها بأنّها “انطوائيّة”، أنّ الإغلاق هو في الأصل هديّة لأنّها لا تُحبّ الخروج كثيرًا وقد شعرت بأنّ لديها عذرًا مثاليًّا، لكن بمُجرّد أن استمرّ الإغلاق، أدركت أنّه ليس جيّدًا بالنسبة إليها.
تُوضّح نوران: «شعرت بعد ذلك أنّي محرومة مِن الشّمس وافتقدتُ وجود الآخرين، وأريد التعبير عن هذا التحوُّل في وجهة نظري خلال هذا المشروع. يستفيد الشّخص الانطوائي مِن ميزة الإغلاق لكن بعد ذلك يُدرك أنّ هذا ليس صحيًّا بالنسبة إليه».
تهدف مبادرة ديدي مِن اجتماع الفنانين الثمانية مع بعضهم البعض إلى إقامة علاقات تواصُل وتسهيل التعاوُن أكثر، وهو أمر مهمّ بالنّسبة إلى جولي نيمان التي بدأت حياتها المهنيّة في الولايات المتحدة وعملت وعرضت أعمالها عدّة مرّاتٍ في إسطنبول.
تقول جولي نيمان: «أنا حريصةٌ على عدم الاكتفاء بالمَشهد الفني في الدنمارك، وآمل أن تكون هذه البداية نقطة انطلاق لمعرضي هنا في مصر وأن يعرض المصريون فنّهم في الدنمارك».
عُقد منتدى الفنانين التّابع لمبادرة ديدي خلال الفترة من 5 إلى 19 نوفمبر 2021. وقد وَقَعَ الاختيار على ثمانية مُشاركين من أصل 28 مُتقدِّمًا، وأشرف على عمليّة الاختيار مُؤرِّخ فن، وأمين مُتحف وباحث، وميتي بيلفيلدت برون، وحاصل على دكتوراه وأستاذ مساعد في الجامعة الأمريكية، وهيثم نوار، كما أسهموا أيضًا في تيسير انعقاد المنتدى.
شاهد فيديو روان الشيمي عن المنتدى:
قائمة المُشاركين
يُمكنك قراءة المزيد عن المشاريع الثّقافيّة التّابعة لمبادرة ديدي من هنا.