Lina fi el-Medina
منذ عام 1950م، نما عدد سُكّان القاهرة من 2,5 إلى 21 مليون نسمة، وتروي حلقات الرسوم المُتحرّكة الجديدة بعنوان “لينا في المدينة”، التاريخ الحضري للقاهرة على لسان “لينا”، إحدى المُواطنات التي تُكافح مِن أجل التأقلم مع وسائل التنقُّل.
بقلم/ مارثا توده
تحكي القصّة الرئيسية، التي تسردها مقاطع فيديو الرسوم المتحرّكة بعنوان “لينا في المدينة”، عن شابّة تعيش في ضاحية غرب مدينة 6 أكتوبر وتدرس في جامعة القاهرة الكائنة في وسط القاهرة وتعمل نادلة في مقهى بالقاهرة الجديدة في الشرق. وتؤدّي هذه الشابّة عملها بكلّ اجتهادٍ وتدرس بجد لكنّها كانت تستغرق أوقاتًا طويلة في التنقُّل قد تصل إلى ساعتين لدرجة أنّها تغفو في وسائل المواصلات. وفي أحلامها، تشرح الأسئلة التي تطرحها حول البنايات الرّسمية واللارسمية (العشوائية) في القاهرة، وكيف تطوّرت المدينة منذ ظهور المساكن الأولى في العصور الفرعونية؟ ولماذا صارت القاهرة مزدحمةً هكذا الآن؟
تهدف حلقات الرسوم المتحرّكة، المعروضة على موقع “اليوتيوب” الشهر الماضي بتمويلٍ من المبادرة الدنماركية المصرية للحوار (ديدي)، إلى تزويد مُواطني القاهرة بالحقائق وتحليل التطوّر العمراني الذي حدث في القاهرة. وتُركِّز كلّ حلقةٍ مِن الحلقات الأربعة على موضوع واحد، وتُعرَض بلغةٍ بسيطةٍ ورسومٍ توضيحيةٍ فطريةٍ، وتُصاحِب مقاطع الفيديو قائمة مِن المراجع مما يمنح المُشاهد فرصة للتحقُّق مِن صحّة المعلومات.
يشرح أحمد زعزع، المُخرج المساعد لهذه الحلقات الذي شارك في تأسيس شركة “10 طوبة”، الموضوع قائلًا: “نُودّ مِن خلال هذه السلسلة أن نُوفّر للمواطنين الأدوات المُناسبة لمعالجة القضايا الحضرية في المدينة عن طريق شرح السياق الذي تطوّرت فيه، ونريد أن نُقدِّم فَهمًا أفضل لقلب المدينة والسياسات العمرانية للحكومة، وكيف تؤثّر هذه السياسات على كلّ نوعٍ من أنواع المنازل المشيّدة في المدينة.”
تبلغ مدّة كل حلقةٍ من الحلقات نحو من 6 إلى 10 دقائق، ويُمكن مشاهدتها دون أي معرفة سابقة بالتطوّر الحضري. وقد صُمّمت الحلقات لتثقيف المُشاهد مِن خلال التأمّلات بدلًا من الجدال، وهي مُسلّية للغاية بسبب القدر الكبير مِن الفكاهة والسّخرية الذي تتّسم به روح القاهرة المزدحمة وسكانها.
يقول أحمد زعزع عندما سُئل عن الدّافع وراء المشروع: “بصفتي مُخطِّطًا عمرانيًّا، دائمًا ما أكتب الأوراق العلمية التي لا يقرأها سوى المخططين العمرانيين الآخرين، ويبدو هذا أمرًا خاطئًا، فنحن نتعامل مع موضوعات تهمّ كل شخصٍ يستخدم المدينة؛ لذا أردنا إيجاد طريقة لمشاركة معرفتنا ورؤيتنا بطريقةٍ سهلةٍ وبسيطةٍ مع الجميع حتى يستطيعوا متابعتها. مِن المهمّ بالنسبة إلينا أن نصل إلى الناس بمستوياتهم المختلفة؛ لهذا السّبب أيضًا قمنا بتأليف قصّة “لينا” التي تعيش وتعمل في القاهرة، وفي أثناء تنقُّلها بها تتساءل: ‘كيف أصبحت الأمور بهذا الوضع؟!‘”
يقضي بالفعل نحو 83% من القوى العاملة المصرية أكثر مِن ساعةٍ يوميًّا في التنقُّل للعمل، وهذا ليس فقط بسبب الازدحام الجنوني لحركة المرور، بل أيضًا بسبب توسُّع المدينة نفسها. ومنذ خمسينيات القرن الماضي شهدت القاهرة نموًّا ضخمًا في السّكان حيث وصل عددهم إلى 21 مليون نسمة، وهو ما ينعكس انعكاسًا طبيعيًّا في أُفُق المدينة، بين الأحياء الرسمية التي بُنيت بعِلم الحكومة في المدينة، والأحياء اللارسمية (العشوائية) الجديدة التي نمت باستقلالٍ عنها. وبسبب عدم العثور على أي مساحةٍ إضافيةٍ داخل حدود المدينة، توسَّع المُطوّرون في عمل مساكن رسمية جديدة في المناطق الصحراوية حول القاهرة، بما في ذلك العاصمة الإدارية الجديدة الفاخرة.
يُضيف أحمد زعزع: “علاوةً على ذلك، تعدّ قصة “لينا في المدينة” محاولة لبناء جسر التفاهم بين مختلف أشكال المعيشة في القاهرة وكسر التحيُّز الذي قد يكون عند البعض. يبدو أنّ الكثيرين لديهم تصوّر مثالي للحياة في المجتمعات الجديدة، ولا يفكِّرون بالضّرورة أن لها جوانب سلبية أيضًا. مِن ناحيةٍ أخرى، قد يقتنع الذين يعيشون في المناطق الفاخرة أنّ جميع الأماكن العشوائية مناطق خطرة، دون أن يزوروها حتى.”
اليوم، تشغل المناطق اللارسمية نحو 65% من البيئة العمرانية في القاهرة الكبرى، وبعض المنازل موجودة منذ أكثر من 50 عامًا، ولا يتمتّع السُكَّان فيها بأي مصدر رسمي للمياه أو الكهرباء أو المرافق الأخرى.
كان إنتاج حلقات “لينا في المدينة” بمثابة خبرة اكتسبها أحمد زعزع الذي لم يعمل في الرسوم المتحرّكة من قبل، فقد بدأ المشروع في يونيو 2019 وأنشأ فريقًا مُكوّنًا مِن مصمّم رسومات ومُصمِّم رسوم متحرّكة واثنين مِن مُصمّمي الصوت، مع زميله المخرج المُساعد عمر الطوانسي. وفي أغسطس، حظي الفريق بفرصةٍ لزيارة مدرسة الرسوم المتحرّكة في مدينة فيبورغ في الدنمارك لمناقشة عملهم والحصول على الأدوات اللازمة من أجل وضع اللمسات الأخيرة للمسلسل. وعندما عادوا إلى مصر أقاموا ورش عمل للكتابة، ودعوا ضيفًا جديدًا في كلّ اجتماعٍ لتقديم آراء مِن منظور “خارجي”، وكان مِن بين الضّيوف كاتب سيناريو وأحد المخرجين المسرحيين وأحد المذيعين الإذاعيين.
إنّ مسلسل “لينا في المدينة” ليس سوى البداية، ويأمل أحمد زعزع أن يقدّم المزيد مِن المواسم في المستقبل للتعامُل مع الموضوعات المُتعلّقة بالتخطيط العمراني الأخرى، حتى يتمكّن الناس مِن مواصلة التعرُّف على ما يحدث في مدينتهم.
يُمكنك مُشاهدة سلسلة حلقات “لينا في المدينة” على “اليوتيوب” أو يُمكنك زيارة صفحة “الفيسبوك“.
يُمكنك قراءة المزيد عن أنشطة “ديدي” في مجال الثقافة مِن هنا.
تُدير هذا المشروع مروة سعودي مسؤولة المشروعات في “ديدي”.