نُشِرت رواية “الأيام” في الدنمارك بدعم من ديدي. وهذه الرواية واحدةٌ من أشهر الكلاسيكيات لأحد أقوى المفكِّرين المعاصرين تأثيرًا.
بقلم/ أجنيت فلايجر
بقلم/ أجنيت فلايجر
لا يحتاج طه حسين (1889- 1973) “عميد الأدب العربي” إلى المزيد من التعريف به في مصر، لكنه ليس معروفًا في الدنمارك سوى بين باحثي الشرق الأوسط وعُشَّاق الأدب.
نُشرت رواية “الأيام”، وهي السيرة الذاتية للمفكر طه حسين، في مصر عام 1929، وبعد ما يقرب من مائة عام، نُشرت الترجمة الدنماركية للرواية في 17 مارس 2022.
يشتهر طه حسين في جميع أنحاء العالم العربي بسبب كتاباته وفترة تولِّيه وزارة المعارف، حين وفّر تعليمًا مجانيًّا لكل المصريين. ومن المعروف عنه أيضًا أنه فقد بصره منذ الصغر ويمكن التعرف على صورته بسهولة من خلال نظارته السوداء الكبيرة.
رواية “الأيام” هي سيرةٌ ذاتيةٌ أدبيةٌ، تسرد قصَّةَ صبيٍّ فقيرٍ من الريف، بصعيد مصر، يُصاب بالعمى في سن الثالثةِ، لكنه يصمِّم على الالتحاق بالجامعة. وهكذا يحفظ القرآن ويتمكن من مغادرة قريته للالتحاق بالأزهر، الجامعة الإسلامية المرموقة بالقاهرة. وتتوالى فصول الرواية التي يصف فيها قراره بترك جامعة الأزهر الدينية للالتحاق بجامعة القاهرة العلمانية التي افتُتحت حديثًا عام 1908. وفي أثناء دراسته هناك حصل على منحةٍ دراسيةٍ في جامعة السوربون في باريس. في رواية “الأيام”، يرسم طه حسين رحلته، وتجعلنا لغتُه الشعريَّةُ نشعر بالحياة التي عاشها وليس مجرد أن نقرأ عنها أو نراها. يُعد الكتاب حجرًا أساسيًّا في الأدب العربي الحديث، وهو اليوم جزءٌ أساسيٌّ من المناهج الدراسيَّة في المدارس المصرية.
ترجمت الأستاذة والمترجمة الدنماركية إليزابيث موستروب رواية “الأيام” من العربية إلى الدنماركية. وتقول إليزابيث: “استمرت شهرة رواية “الأيام” على مدار 100 سنة لأنها بتعرض نظرة شيِّقة عن مصر في الوقت ده”.
يصور الجزء الأول من الرواية فترة الطفولة التي عاشها طه حسين في ريف مصر بالصعيد في أواخر القرن التاسع عشر. وتضيف إليزابيث موستروب: “وصف طه حسين لينا طفولته بحس فكاهي، وحكى قصته مثلاً لما كان بيحاول يحفظ القرآن عن ظهر قلب. وفي أحد المشاهد، وقف قدام والده وصارع علشان يتلو القرآن ومعرفش لكن المُدرس بتاعه أكد لوالده إنه كان حافظه امبارح.” وتوضح إليزابيث أنَّ الكتابَ يقدِّمُ نظرةً فكاهيةً عن حال الكُتّاب وقتئذٍ، وهو نظام تعليمي شعبي غير رسمي.
تقدم رواية “الأيام” للقارئ نظرة نادرة عن أعراف المجتمع المصري وقِيَمِه في القرن العشرين، بالإضافة إلى التغييرات الملحوظة التي وقعت في الحياة السياسيَّة والأدبيَّة والفكرية في العالم العربي. فضلًا عن ذلك، يُعد الكتاب تجربةَ قراءةٍ غنيةً وثريةً ومناسبةً لوقتنا الحالي بسبب فهم طه حسين للناس ودقة تعبيره الأدبي الذي يوضح تصوره للعالم وتجربته فيه كضرير.
كان استخدام طه حسين الثري للغة من أقوى التحديات التي واجهتها إليزابيث موستروب عند ترجمة روايته. تقول إليزابيث: “استخدم طه حسين اللغة العربية كلها، وكل الكلمات اللي مابقتش تُستخدم في اللغة العربية، ووظف التلاعب بالألفاظ والجناس والمراجع الخفية للقرآن.” وتضيف أنها كانت أحيانًا تُمضي ما يصل إلى أربع ساعات لترجمة كلمة واحدة أو سياق معين. وتؤكد إليزابيث: “ناس كتير من شبكة علاقاتي ساعدتني في أثناء عملية الترجمة وجاوبت على أسئلتي وأرشدتني في البحث.”
استخدم طه حسين اللغة العربية كلها، وكل الكلمات اللي مابقتش تُستخدم في اللغة العربية، ووظف التلاعب بالألفاظ والجناس والمراجع الخفية للقرآن كتير.
إليزابيث أناجنوستكي موستروب
أهم ما في رواية “الأيام” هو معركة قوة الإرادة؛ مش بس سرد أيام طه حسين كشخصية ثقافية مؤثرة.
إيريك سفندسن
حظيت رواية “الأيام” (Dagene) باستقبال جيد في الدنمارك. وفي نقدٍ أجرته الصحيفة الدنماركية يولاندس بوستن (Jyllands-Posten)، يسلط إيريك سفندسن الضوء على حسِّ طه حسين الفكاهي حين واصل كتابته للجامعة مطالبًا إياها بإرساله إلى فرنسا للدراسة- دون أن يحصل على المستوى التعليمي المطلوب- ثم قوبل إصراره بالموافقة. يقول إيريك سفندسن: “أهم ما في رواية “الأيام” هو معركة قوة الإرادة؛ مش بس سرد أيام طه حسين كشخصية ثقافية مؤثرة.”
كتب تقديم الترجمة الدنماركية لرواية “الأيام” الناقد الأدبي بيورن بريدال، رئيس يوهان بوروبس هوجسكول، الذي يصور بشكل شاعري رحلة حسين الشخصية للحب والدين والتأليف. في حين كتب الخاتمة، جاكوب سكوفجارد بيترسن، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة كوبنهاغن، واضعًا رواية “الأيام” في سياقها السياسي والمجتمعي والتاريخي. ومن خلال قصة حياة طه حسين، يرسم لنا نظرة ثاقبة عن تاريخ مصر تشير في الوقت نفسه إلى تأثير الكاتب حتى وقتنا الحالي.
قامت دار (Jensen & Dalgaard) بنشر رواية “الأيام” تحت عنوان (Dagene) بعد أن دعمت مبادرة ديدي عملية الترجمة.