يبثُّ مُصممون شباب من مصر وطلاب ماجستير التصميم من الدنمارك، الحياة في 15 كُرسيًّا، مُستوحين إلهامًا مِن التصميم الدنماركي والمصري القديم، واضعين نصب أعينهم استدامة المنتج.
بقلم/ روان الشيمي
بقلم/ روان الشيمي
كان العمل مع الحرفيين المصريين في مصنع “بينوكيو” للأثاث بمدينة دمياط- الواقعة على البحر الأبيض المتوسط التي تُعدُّ مركزًا لصناعة الأثاث المصري- مصدرًا كبيرًا لإلهام جوسيه أندرسن، طالبة ماجستير التصميم بالأكاديمية الملكية الدنماركية.
تقول جوسيه أندرسن: “حبيت أوي إنهم بيشتغلوا بكهرباء قليلة في ورشة العمل دي، وبيشتغلوا بأزاميل وأدوات يدوية، يمكن ماتطورتش من سنين، لكنها لسه بتشتغل بشكل ممتاز، كل ده ألهمني فعلًا، أعتقد إننا في العالم الغربي نميل دايمًا لاستخدام الأدوات الكهربائية، وهيكون شيء رائع لما أرجع للدنمارك إننا نستخدم الأدوات اليدوية أكتر، لأنها بتقرَّبنا للمواد أكتر.”
اجتمعت جوسيه مع ثمانية عشر طالبًا زميلًا لها، وعشرة مُصممين شباب مصريين، في دمياط، في الأسبوع الأخير من شهر نوفمبر لمدة خمسة أيام مكثفة بمصنع “بينوكيو”، وذلك لتصنيع خمسة عشر كرسيًّا، قاموا بتصميمها كجزءٍ من برنامج التصميم الدائري ثنائي اللغة. يخلق البرنامج في نسخته الخامسة حوارًا بين التصميم المصري القديم والتصميم الدنماركي المعاصر، ممَّا يُتيح الفرصة للمصممين الشباب للالتقاء معًا وإنشاء كراسٍ مستوحاة من تلك التقاليد التصميمية، مع إضافة عنصر جديد لهذا العام يدمج مبادئ التصميم الدائري في المنتجات النهائية للكراسي.
يُعد هذا اللقاء بين المصممين الشباب هو الثاني هذا العام؛ إذ اجتمعوا لمدة أسبوع في سبتمبر بكوبنهاجن، وزاروا العديد من صالات العرض والاستوديوهات الدنماركية التي تعمل باستخدام تصميمات حديثة وتُدمج الأساليب المستدامة. كما عقدوا أيضًا ندوة مكثفة لمدة يومين في الأكاديمية الملكية الدنماركية، حيث تعلَّموا المزيد عن التصميم الدائري من الأكاديميين والمصممين المُتبنِّين لهذا النهج في أعمالهم.
يقول باسم أشرف، مهندس معماري ومصمم أثاث مصري: “الندوات اللي حضرناها في الدنمارك كانت مدهشة حقيقة، والمحاضرات كانت غنية بالمعلومات عن موضوع الدائرية، وألهمتنا لما اشتغلنا في تصميم الكراسي.”
هذا ما فعلوه تمامًا من خلال مجموعات مُكونة من شخصين، كان أمام المصممين شهران لتقديم تصميماتهم للكراسي التي سيصنعونها بعد ذلك في دمياط في مصنع “بينوكيو” للأثاث مع العمال المهرة هناك. قبل وجودهم في دمياط، كان لديهم أيضًا الوقت لزيارة العديد من المتاحف والمواقع في القاهرة للحصول على نظرة أعمق حول نهج المصريين القدماء في تصميم الأثاث وحضارتهم.
قالت جوسيه أندرسن، واصفة كرسي “سيلو” (Silo) الذي وضعت تصميمه بالاشتراك مع كارولين بوترن وناتاليا ساشيك: “الكرسي بتاعنا فيه ازدواجية كبيرة، قبل ما آجي مصر، كنت عارفة حاجات قليلة عن مصر القديمة، لكن معلوماتي ماكانتش كافية، في الأسبوع الأول زُرنا كل المتاحف والمواقع مع مرشد مدهش حكى لنا عن قصص ومعلومات كتير، ماكنتش هاوصلها أبدًا لوحدي على الإنترنت أو عن طريق الكتب”.
في أثناء فترة وجودهم في دمياط، بدأت مجموعة من المُنسِّقين المصريين، وهم مصممون أيضًا، في مساعدة طلاب التصميم بالأكاديمية الملكية الدنماركية على التواصل مع العمال. لكن في بعض الأحيان، كان يتعيَّن على المصممين التواصل بأنفسهم مع العُمال. يقول واحد من طُلاب التصميم، نيلز بلتيير: “كُنا بنستخدم لغة الإشارة وإشارات الإيد. واتعلِّمنا نعم ولا باللغة العربية. وكنا بنستخدم كمان أمثلة لشرح اللي عايزين نعمله. لكن العمَّال كانوا مُذهلين، بمجرَّد فهم الفكرة بيقدروا ينفِّذوها، كانوا مُدهشين فعلًا.” شارك نيلز في تصميم كرسي Dead Stool مع زميله الطالب فريدريك ريفير.
تقول جوسيه أندرسن: “أحيانًا كُنا كمان بنهزر سوا رغم إننا مش بنتكلم نفس اللغة”، مؤكدة أن هذه الأيام في ورشة العمل كانت الجزء المفضَّل لديها من البرنامج بأكمله.
كانت لنسرين عز الدين، إحدى المصممات المصريات المشاركات، نظرة خاصة للبرنامج. في النسخ الأربعة الماضية للمشروع، كانت واحدة من المُنسقين، لكن هذه المرة كانت تُشارك كمُصممة.
تقول نسرين: “المشاركة كمصمم السنة دي خلِّتني أدرك قيمة اللي اتعلِّمته من الجولات اللي فاتت لما كنت مُنسِّق. كنت مُندهشة بمدى ذكاء المصممين الدنماركيين اللي اشتغلت معاهم قبل كده، لكن المرة دي اكتسبت ثقة وطبَّقت اللي اتعلمته في الجولات اللي فاتت على عملية التصميم بتاعتي.” صممت نسرين عز الدين مقعد Mamar (مامر) مع زهراء الشافعي، وهو مقعد قابل للطي مصنوع من مواد بسيطة باستخدام الخشب الطبيعي والقطن.
اعتبر باسم أشرف التبادل الثقافي والحوار الذي دار بين المصممين الدنماركيين والمصريين أحد العناصر المفيدة للغاية، فيقول: “إحنا ناقشنا تصميماتنا كتير، وأحيانًا كُنا نعرض الكرسي، والناس تقول آراء حول تطويره أو معالجة مشكلة معينة فيه، وده ساعدنا إننا نوصل لأفضل النتائج في النهاية.” شارك باسم أشرف في تصميم كرسيين مع أحمد عصام، وهما “هماتات” (Hamtat) و”خردة” (Scrap).
وفي الأيام الخمسة التي قضوها في دمياط، كان الوقت المحدد للانتهاء من الكراسي يقترب من الانتهاء، حيث كان من المقرر للمشروع أن يُعرض في المتحف المصري الكبير بعد يوم واحد فقط.
حضر نحو 250 شخصًا لمشاهدة ما توصّل إليه المصممون المشاركون في المعرض الذي استمرّ يومًا واحدًا في القاعة الزجاجية بالمتحف المصري الكبير في الأول من ديسمبر.
يقول باسم أشرف: “كانت الحضارة المصرية القديمة مصدرًا رئيسيًّا للإلهام، وفي حاجات كتير نقدر نتعلِّمها منها، وعلشان كده تكريمها في البرنامج ده كانت لفتة طيبة، إننا نكون هنا في المتحف المصري الكبير لتكريمها، وعلشان نفتكر جذورنا دايمًا”.
كما تضمَّن المعرض حلقة نقاشية نظَّمها المتحف المصري الكبير بنفسه بعنوان “التعلم من الماضي لإلهام المستقبل: دور التراث في التصميم والدائرية”، وجمعت الحلقة النقاشية أندرياس لوند مدرس بالأكاديمية الملكية الدنماركية، وميتي مارتينسن طالب الماجستير بالأكاديمية الملكية الدنماركية، وعمرو عرنسة مؤسس المؤسسة المصرية للتصميم والصناعة ومدير التصميم في مصنع بينوكيو، وإنجي طاهر مؤسِّس متجر الهدايا بالمتحف المصري الكبير THE NOOK، وأمين المعرض والمصمم الحرفي والمؤسس المشارك لـMUSEEUM، والمتخصص في التوجيه الفني للمساحات الثقافية للبيع بالتجزئة، وأخيرًا ياسمين الشاذلي عالم المصريات ونائب مدير البحوث والبرامج بمركز البحوث الأمريكي في مصر.
تقول ياسمين الشاذلي في الحلقة النقاشية: “أنا انبهرت بالمنتجات النهائية، الكراسي نتيجة أبحاث كتير جدًّا، وواضح إن المصممين درسوا مواد وخامات كتير. كانت فكرة الدائرية مهمة جدًّا في مصر القديمة وحتى مفهوم الأبدية وهو الميلاد والإحياء والبعث. المصريين القدماء كانوا دايمًا بيعيدوا استخدام المواد وصمموا حاجات علشان تدوم للأبد، وكانوا بيدفنوا أثاث كتير في مقابرهم، كانت المواد قيِّمة أوي، وعلشان كده كانوا بيعيدوا استخدامها بدل ما يتخلصوا منها.”
شهد هذا العام النسخة الخامسة من التصميم الدائري ثنائي اللغة، يتحدَّث عمرو عرنسة عن البرنامج من خلال الحلقة النقاشية: “إحنا بنشوف خريجين من عندنا بيفوزوا بجوائز التصميم الدولية في تصميم الأثاث، وده بيثبت إن المشروع ده فارق أوي في مصر بين المصممين الشباب. نتمنَّى إن المشروع ده يستمر لإننا بنتعلم منه كلنا، وعلشان كده اسمه ثنائي اللغة، لأننا رغم اختلاف لغاتنا لكن بنتعلِّم من بعض حاجات كتير”.
أدارت المشروع دعاء فياض مسؤول المشروعات. وتم تنفيذ المشروع بالتعاون مع المؤسسة المصرية للتصميم والصناعة ومصنع “بينوكيو” للأثاث والأكاديمية الملكية الدنماركية.
تعرَّف على صُنَّاع الأثاث الصديق للبيئة