بقلم/ إيزابل بيروم مولر
في يوم الأربعاء 15 سبتمبر، اجتمعت 20 امرأةً مِن الدنمارك ومصر لأوّل مرّة في فندق سوفيتيل بالقاهرة ضمن مشروع “نساء يأخذن زمام القيادة” التابع إلى ديدي. كانت الغرفة مليئةً بالترقب والتوقّعات حيث تجمّعت النّساء لتناوُل العشاء في قاعة الاجتماعات في الفندق.
شعر الجميع بالفضول لاستكشاف أوجُه الاختلافات والتشابهات التي تُواجهها النساء في القيادة سواء في الدنمارك أو في مصر مع حرصهنّ على تعلّم كيفيّة التعامُل مع القضايا الشّخصيّة بصفةٍ خاصّةٍ ومعرفة مقدار ما تُحدّده الثّقافة والأعراف الاجتماعيّة ومقدار ما تُحدّده الهياكل والديناميكيات العالميّة.
وأخيرًا عندما شعرن بالانفتاح وأظهرن مشاعرهن الصّادقة، وجدنَ أنّهنّ يتشاركنَ في القضايا والآمال نفسها. على الرّغم مِن اختلاف الثّقافات والأماكن فإنّ الهياكل وديناميكيّات السّلطة تميل إلى أن تكون متشابهةً للغاية.
شكّلت أوجُه التشابُه والاختلاف مجال اهتمام كبير لكثيرٍ مِن المُشاركات. فخلال اجتماعهنّ الأوّل، شاركت يُمنى عماد -رئيس قِسم التجارب في مختبرات تسريع الأثر الإنمائي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي ومُؤسّس ساينس آب (Scienceup)- حماسها لاستكشاف ما إذا كانت المشكلات التي واجهتها في مصر مماثلة للتحديات التي واجهتها نظيراتها في الدنمارك أم لا.
تعلق منن فرج، مسؤولة المشروع في ديدي قائلة: “مِن المُثير للدّهشة أننا اكتشفنا أنّ المرأة المصرية والدنماركية تتشاركان نفس التحدّيات في العالم المهني
بعد أربعة أيامٍ مليئة بالمُناقشات والدّموع والضّحك والدّعم، يُمكننا قول إنّ المُشاركات يتشابَهْنَ أكثر بكثير مما كنّ يعتقدن،فقد اتّفقن على أنّ التحدّي الرّئيسي للمُساواة بين الجنسَيْن هو أنّ العالم قد صمّم من قبل الرجال ليناسبهم. تقول ميناس صالح، مدير الضّوابط الماليّة الإقليميّة في شركة يونيليفر: “التقدُّم مُصمَّم مِن قِبل الرّجال. إننا نُحاول أن نجد لأنفسِنا مكانًا في هذه المطحنة التي صمّمها الرّجال والتي نُطلق عليها الحياة المهنيّة”.
هل النّساء ملاءمات لوظائف مُعيّنة أكثر مِن الرّجال؟ أم إننا جميعًا نتاج المجتمع الذي نعيش فيه؟
كانت هذه المُناقشة قد أثارها العرض التقديمي الذي قدمته هنرييت كابيل كريستنسن حول تجربتها العمليّة كأنثى في مجال الأنثروبولوجيا التقنية التي يُهيمن عليها الذّكور، وهي محللة أعمال بسكارب.
تقول هنرييت كابيل كريستنسن: “نريد المزيد مِن النّساء في مجال صناعة التكنولوجيا لأن النساء تميل أكثر إلى مراعاة المُستخدم النّهائي للمُنتج والجوانب الإنسانيّة المُتعلّقة به، فيما يركّز الرّجال أكثر على الجوانب التقنية”.
لقد حرّك بالفعل هذا العرض التقديمي الماء الرّاكد. في حين لم تتفق جولي لورنتزن -رئيسة الإدارة والاتّصالات في بلدية كوبنهاغن- تمامًا مع هنرييت كابيل كريستنسن، حيث قالت: “أتساءل ما الأشياء التي وُلدنا بها وما الأشياء التي نتعلّمها مِن المجتمع”.
وتعتقد جولي لورنتزن بأنّ ما يُقدّم للأطفال الصّغار على أنّه سلوك مقبول مجتمعيًّا “للأولاد” أو “للفتيات” له تأثير كبير على خلق معايير الجنسين ورؤيتنا لأنفسِنا لاحقًا. ومِن هنا جاء هذا التّصنيف: “وظائف خاصّة بالمرأة” و”وظائف خاصّة بالرّجل.”
وهذه المعايير بين الجنسين توليها الأُمّهات المُشاركات اهتمامًا كبيرًا، حيث قالت سميرة نجم، الرئيس التنفيذي لشركة “رايح”: “جزءٌ كبيرٌ مِن هُويتك وما تعتقد بأنّه يُمكنك فعله يأتي ممّا مررت به عندما كنت طفلًا، فأنا كأُمّ أركّز جدًّا فيما أُقدّمه لطفلتي، لذا فأنا لا أجبرها على أي شيء”.
لم يقتصر تعريف المُشاركات لأنفسهنّ على أنّهنّ قائدات فقط، فبعضهنّ أُمّهات أيضًا، ولم يتوقّف المُجتمع عن إخبارهنّ أنّهنّ أكثر ليونة مِن أن يُصبِحن قائدات وفي الوقت ذاته أقسى مِن أن يُصبِحن أُمّهات، فكيف يمكن الموازنة بين الكفَّتَيْن؟
تُوافِق النّساء على أنّه ليس مِن السّهل دائمًا إحداث توازنٍ بين الحياة المهنيّة والحياة الخاصّة، وعلى حدّ تعبير مي فهمي، مديرة التجارة الإلكترونية في شركة “فيليب موريس إنترناشونال”: “كُلّما أمضيت الكثير مِن الوقت مع طفلي، أشعر بالذّنب تجاه وظيفتي والعكس صحيح. يتوجّب علينا الاختيار دائمًا بين شعورنا بالذّنب تجاه أطفالنا وشعورنا بالذّنب تجاه العمل. حتى أدركت أنني لا أستطيع أن أفعل كلّ شيءٍ على أكمل وجهٍ بنسبة مائة في المائة.”
تعرف سميرة نجم أيضًا هذا الشعور بأنّها ليست مثاليّةً بما فيه الكفاية. وقد برّرت أنّ عدم رضاها ينبع مِن تفكيرها الدّائم بأنّها تحمل نفسها فوق طاقتها وتستطيع أن تعمل ما هو أفضل، إذ تقول: “لا أُقدّر نفسي وشخصي، لكنّي أُقدّر نفسي في العمل”.
وأجمعت المُشاركات على أنّ السّبب وراء عدم رضائهنّ عن إنجازاتهن هو أنّ المُجتمع علّمهن أن طريق النّجاح دائمًا ما يكون له ثمنٌ مرتفعٌ للغاية.
تقول مي فهمي: “أصبح الإرهاق مألوفًا”، وقد اتّفقت معها الغرفة بالكامل في ذلك.
ناقشت النّساء التوازن الجيّد بين اغتنام الفرص الناتج عن رغبتهنّ في ذلك واقتناصها لمُجرّد أنّه لا ينبغي لهنّ أبدًا تفويت أي فرصة.”
وتقول كاترين ويند، قائدة فريق في مؤسّسة ((Julemærkefonden: “علّمنا المجتمع أنّ “الانشغال” يعني فعل شيءٍ ما في حياتك. لكن لِمَ العجلة؟ نحن نعيش طويلًا، ولدينا الوقت لتحقيق الأهداف في جميع مراحل الحياة”.
على الرّغم مِن إجماع النّساء على أن قول “لا” يعدّ مصدر قوة، فإنّهنّ كشفْنَ أسبابًا أُخرى للتوتّر بجانب عدد ساعات العمل.
تقول جولي أرنفريد بوجيسن، مديرة مجلس الشّباب الدّنماركي الأوكراني: “ما يجعلنا مُتوتّرين ليس طول ساعات العمل وحده بل عدم تحقيق الأهداف والشّعور بعدم الإنجاز”.
اتّفقت النّساء على أنّ الشّركات تتحمّل مسؤوليّةً كبيرةً في خلق بيئة عمل صحّيّة ومساعدة مُوظّفيها على وضع الحدود اللازمة لتجنّب الإرهاق.
لأنّ الأوقات الممتعة تمرّ سريعًا، اختتم تجمّع شبكة “نساء يأخذن زمام القيادة” بعشاءٍ على نهر النيل
بالمحادثات والمناقشات بغرض تبادُل الخبرات.