مهرجان كوبنهاجن للأفلام الوثائقية: فرص لمشاهدة أحدث الأفلام والتعاون المشترك أيضًا!
كتب محمد طارق
من مدرسة الجزويت للسينما التسجيلية في الصعيد، حضر محمود رمضان، أحد طلاب المدرسة، مهرجان كوبنهاجن للأفلام الوثائقية. وجد رمضان في المهرجان تجربة جديدة على مستويات متعددة، حيث كان احتكاكه في السابق مقتصرا على حضور المهرجانات المصرية في القاهرة والأقصر وأسوان.
يقول رمضان «فرصة التلاقي مع ثقافات أخرى، والنقاشات التي دارت بيننا كطلبة وصناع أفلام ونقاد -من قارات مختلفة وليس فقط بلاد- سواء في الورشة أو الأحداث التفاعلية المصاحبة للمهرجان كانت مُثرية. جانب آخر أيضا متعلق باختصاص المهرجان في الأفلام غير الروائية –المحور الرئيسي لمدرسة السينما التي أدرس بها- ألا وهو التنوع الشديد في شكل وأفكار وطرق تنفيذ الأفلام المشاركة في المهرجان والتي أُتيحت لنا للمشاهدة، وهو الأمر الذي يوسع من آفاق فهمنا وصناعتنا لأفلامنا غير الروائية».
في الفترة ما بين 21 أبريل – 12 مايو 2021، عُقد مهرجان كوبنهاجن دوكس افتراضيًا، وهو واحد من أهم المهرجانات السينمائية المتخصصة في الأفلام غير الروائية ويقام في مدينة كوبنهاجن بالدنمارك. حضر طارق المهرجان ضمن وفد مصري قدمته المبادرة الدنماركية المصرية للحوار (ديدي) ضم خبراء صناعة السينما والمهرجانات، وعدد من طلاب السينما المصريين. وشارك الوفد المصري هذا العام في المهرجان سواء بالحديث عن أوضاع السينما وفرص التعاون المشترك، أو للتعلم من خلال الورش المخصصة في أكاديمية المهرجان.
يمكن القول بأن المهرجان يهتم بالتنوع في البرنامج ووجود شيء لكل فرد من الجمهور، فإذا كنت تنظر إلى الأفلام الوثائقية نظرة نفعية للإطلاع على مجريات العالم فإن ما تريده متاح، أما إذا كنت تبحث عن الفن والتجريب بعيدًا عن الأفلام الخبرية فطلبك موجود أيضًا.
فإلى جانب برنامج العروض المتنوع، يلعب المهرجان دورًا له أهمية كبيرة من خلال سوق المهرجان وأكاديميته، ومن خلالهما يستطيع المهرجان خلق تعاونات مثمرة بين صناع الأفلام الوثائقية من جميع أنحاء العالم.
آفاق شمالية
«لطالما تتوافر فرص الإنتاج المشترك بين مصر وأوروبا لكن بشكل محدود مع دولتين هما ألمانيا وفرنسا، لذا فالتعاون مع سوق مهرجان كوبنهاجن يعد بمثابة نافذة جديدة لإنتاج مشترك مع الأسواق الإسكندنافية»، هذا ما قاله مروان عمارة، المخرج المصري ومدير المؤتمر الإقليمي للسينما العربية المستقلة، وأحد أعضاء الوفد المصري الذي قدمته ديدي ودعمت حضوره للمهرجان، وأضاف «يمنح ذلك المشاريع فرص تمويل جديدة، إضافة إلى منحها رؤى فنية أكثر تنوعًا، وهو شيء صحي للغاية لإنتاج أفلام أكثر طزاجة وحرية».
تألف الوفد الأساسي للمهرجان من أربعة صناع سينما أغلبهم لديه باع في مجال السينما الوثائقية. فإلى جانب عمارة، شملت الدعوة أمير رمسيس، المدير الفني لمهرجان الجونة السينمائي، ونادين الدريني، المؤسسة المشاركة ومديرة مهرجان مصر دوت بكرة، وأخيرًا ندى رياض، المخرجة المصرية والمؤسسة المشاركة لشركة الإنتاج المصرية فلوكة فيلمز.
يضيف عمارة «الميزة الكبرى هي أن المهرجان مخصص للأفلام غير الروائية وهو ما يمنح صناع تلك الأفلام الفرصة لمعرفة أحدث الظواهر في صناعتها وفرصًا أكبر لإيجاد مساحة لأصواتهم. لذا فالمهرجان يساعد في خلق كوادر من صناع الأفلام، وبدعم ديدي فإن مزيدًا من الأصوات المختلفة تصل لسوق المهرجان وتشارك به».
تأسس المهرجان عام 2003 ونما عبر أعوامه ليصبح واحدًا من أكبر محطات التعاون المشترك ووجهة أساسية لكل صناع الأفلام غير الروائية بجميع أنواعها، إذ باع المهرجان عام 2019 – آخر عام أقيم فيه المهرجان على أرض كوبنهاجن قبل أن ينتقل إلى شكله الافتراضي بسبب جائحة كوفيد-19 – ما يقارب 115 ألف تذكرة، وهو رقم يؤكد شعبية المهرجان المتخصص في أنواع من الأفلام لا تحظى عادة بجماهيرية ضخمة.
«إن التغيرات السريعة التي تحدث في سوق صناعة الأفلام غير الروائية، وخاصة الارتباك المصاحب لظروف الجائحة وتأثيره علي عملية توزيع الأفلام، يعزز من دور منصات الصناعة مثل منصة مهرجان كوبنهاجن وهي الأكبر في المنطقة الاسكندنافية». هكذا علقت المخرجة المصرية ندى رياض على أهمية تعزيز التعاون المشترك، وأضافت «فمن خلال المهرجان، يستطيع صناع الأفلام التواصل مع أبرز الأسماء الدولية في مجالات الإنتاج والتمويل والتوزيع السينمائي. ساعدتني المشاركة في كسب فهم أعمق للوضع الحالي للسوق وبالتالي التخطيط لمشاريع تسجيلية من إنتاجي كما ساعد وجود وفد مصري في طرح أسئلة حول بروتوكولات الإنتاج المشترك العادلة».
مسابقات متنوعة
يحتوي المهرجان على 7 مسابقات تنافسية موزعة بين المسابقة الدولية ومسابقة «الحقيقة» التي تعطي اهتمامًا خاصًا للأفلام التي تقع في نطاق رمادي بين صناعة الأفلام والصحافة الاستقصائية، ومسابقات أخرى للأفلام التجريبية أو للأفلام الشمالية (القادمة من الدول الإسكندنافية). إضافة إلى ذلك، فيشمل المهرجان أقسامًا غير تنافسية تجمعها موضوعات أو أساليب الأفلام لكن دون جوائز.
أكثر ما يميز المهرجان هو وجود هذا الكم من المسابقات والأقسام الفرعية، فعوضًا عن كونه مهرجان يختص بأفلام فنية فقط، فإنه يتيح المساحة لأصوات مختلفة مثل الصحافيين أو الشباب الصاعدين أو الفنانين الحداثيين الذين يرتبط فنهم بعالم السينما، مع وضع كل فيلم في إطار برنامج/قسم يتسق مع الأفلام المعروضة إلى جانبه. كما أن الأقسام الفرعية التي تندرج تحت أسماء مثل «عدالة» أو «علم» تتيح الوصول إلى جمهور أكثر شمولًا، مع إمكانية مناقشة المواضيع والظواهر الحديثة.
وفي نفس السياق المتعلق بدعم المواهب الشابة، ترى ندى رياض أن «صناع الأفلام العرب يحتاجون لنقل خبرتهم للأجيال الجديدة من صناع السينما التسجيلية، والتفكير في خلق شبكات عربية تعزز التواجد العربي في منصات الصناعة العالمية وتساهم في دعم البنية التحتية لصناعة السينما العربية، وبالتالي تسهل صناعة وتوزيع الأفلام التسجيلية العربية. إتاحة الفرصة لطلاب السينما للمشاركة في المهرجان هو خطوة فعالة في خلق هذا النوع من الشبكات، وهو ما يفعله المهرجان في أكاديميته».
الأكاديمية
أكاديمية مهرجان كوبنهاجن وفرت الفرصة لطلاب السينما في جميع أنحاء العالم للمشاركة في ورش متخصصة لمناقشة أحدث الظواهر الموجودة في عالم الأفلام غير الروائية، ومن خلال دعم ديدي، استطاع عدد من طلاب السينما المصريين المشاركة في برنامج الأكاديمية هذا العام.
أُتيح للطلاب مشاهدة أفلام المهرجان حتى أول يونيو 2021 (أي بعد انتهاء المهرجان بوقت كبير) وهو الأمر الذي يمنح الفرصة لمشاهدة أكبر قدر ممكن من الأفلام. إضافة إلى ذلك، فقد احتوى برنامج الأكاديمية على نقاشات حول السينما والنقد وأشكاله المختلفة، إضافة إلى حوارات تفاعلية مع عدد من صناع الأفلام المشاركة بالمهرجان أو مبرمجي ومقيمي المهرجان أنفسهم.
علقت هدير الفايز، الطالبة بمدرسة الجزويت، قائلة «أهم ما يميز المهرجان هو الكم الهائل من الموضوع والنقاشات حول الأفلام، إضافة إلى وجود نافذة مخصصة تتيح لك التواصل مع كل المشاركين بالمهرجان عن طريق إرسال رسالة لهم والتواصل معهم، لكن الجزء الأصعب بالنسبة لي تمثل في كم التفاصيل الهائلة التي تجعلك تتوه وسط زخم الأفلام والنقاشات».
إذا يمكن القول بأن إقامة المهرجان افتراضيًا، وبرغم تخيلها كعقبة لأي مهرجان سينمائي، إلا أنها مهدت الطريق لأعداد أكبر من المشاركين، الذين كانت ستمنعهم مصاريف الإقامة والسفر العالية من الوصول إلى المهرجان، ومنحت المهرجان آفاقًا أوسع لزيادة عدد جماهيره ومحبيه في جميع أنحاء العالم. إضافة إلى ذلك، فإن التنوع الهائل في الموضوعات أو الأفلام أو حتى مستويات المشاركين من صناع الأفلام تدل على أن المهرجان يتخذ خطوات أكثر شمولًا لدعم المزيد من الأصوات
محمد طارق هو ناقد سينمائي مصري وعضو جمعية نقاد السينما المصريين، يكتب للعديد من المواقع والصحف مثل إضاءات ودايلي نيوز إيجيبت ومجلة الفيلم، كما يعمل مبرمجًا للأفلام في مهرجان الجونة السينمائي، ومديرًا لمشروع السينما بجمعية النهضة العلمية والثقافية (جيزويت القاهرة).