بقلم/ بترا هاس
المسافة! هكذا بدأ كلّ شيء. تشكلت مجموعتان يفصلهما أكثر من 3000 كم، تحت إطار المشروع نفسه “بوّابة ديدي الخضراء”.
سرعان ما تلاشَت تلك المسافة مع اقتراب المُشاركين مِن بعضِهم البعض، واندماجهم عند لقائهم الأول في القاهرة في 25 سبتمبر. مِن خلال الخبرات المُشتركة والعمل الجماعي والفكر المُستنير والنّقاشات، استكشفوا نماذج أعمال جديدة للتنوع والاستدامة، انطلاقًا من أن تحدّياتنا ترتبط عبر الحدود والبلدان، لذلك يجب أن نعمل معًا لإيجاد حلولٍ مُشتركة.
اتضح على مدار الأسبوع أنّ المسافة واحدةً مِن القضايا الجوهريّة في البحث عن حلولٍ مُستدامة.
بينما توجد المسافة الرئيسية بين المُنتجين والمُستهلكين لكنّها موجودة أيضًا بين البشر والطّبيعة، لذلك كان الهدف الأوّل من ورشة عمل بوّابة ديدي الخضراء هو اكتساب المعرفة ورفع الوعي حول أزمة المُناخ والبيئة والتنوّع البيولوجي في مصر، ولاحقًا في الدنمارك.
يقول يوحنّا نصيف، اختصاصي الرحلات في “Wild Guanabana”: “يعيش الآن الكثير مِن الناس في المدن، معزولون عن الطّبيعة ولا يرون عواقب أفعالهم”.
في محاولةٍ لإعادة الارتباط بالطبيعة، زارت المجموعة شركة “سيكم” وهي مزرعة عضويّة وتنمية مُستدامة، على بُعد ساعتين من القاهرة. يتركز عمل “سيكم” على الزراعة الرّيفيّة، لكن النقاشات والعمل الجماعي على مدار الأسبوع تمركَزَا أكثر على الزّراعة في الأماكن الحضرية وكيف يُمكن تقريب البشر مِن الطّبيعة بدلًا مِن تقريب الطّبيعة مِن البشر.
قال مصطفى حبيب، مدير المشروع في مبادرة فيري نايل (Very Nile)، خلال عمل جماعي عن “الغابة الحضريّة”: “في مصر، غالبًا ما تكون المساحات الخضراء متاحةً للأغنياء وحدهم الذين يعيشون في المجمّعات السّكنية خارج القاهرة”. وناقش المُشاركون كيفية تُعزّيز المساحات الخضراء التفاعلات الاجتماعيّة الإيجابيّة التي لها آثار قوية على الصّحة العقليّة والجسديّة.
أضاف مصطفى: “أرجو دمج المناطق الخضراء في المجتمعات والأحياء الفقيرة معًا مِن أجل المنفعة البيئيّة وأيضًا مِن أجل التّأثير الاجتماعي الذي تبيّن حدوثه”.
يُعدّ الجانب الاجتماعي مِن التغيّر البيئي والتنمية المُستدامة جُزءًا محوريًّا مِن الحلول المستدامة لمبادرة “فيري نايل”.
وتصف “فيري نايل” نفسها بأنّها المبادرة الأولى لتنمية وسائل مستدامة تعمل على تنظيف النيل، وتوفّر وظائف للصّيّادين المحليّين وتُقدّم دروسًا للنساء والأطفال في جزيرة القرصاية، حيث يقع مقر فيري نايل، في أثناء تنظيف النيل والبيئة المحيطة. وتدفع فيري نايل للصيّادين مقابل كلّ كيلوجرام مِن القمامة يجمعونه مِن النيل.
استلهم عبدالله توفيق من زياراته إلى “فيري نايل” و”سيكم” فكرة البحث عن حلولٍ شاملةٍ، قائلًا: “إنّ الجانب الاجتماعي لا يقلّ أهميّةً عن الجانب الاقتصادي، لذا يجب أن تكون الحلول مستدامة في جميع الجوانب”.
فقد أظهرت الزيارات أهميّة النّظر إلى مشكلة الاستدامة بنظرةٍ شموليّة. ولمُعالجة المشكلة باعتبارها نظامًا كاملًا له عدّة زوايا مختلفة، يجب تضمين كُلّ شيءٍ في نموذج العمل المُستدام.
كانت جولة المجموعة حول القاهرة غنيّة ومُتنوّعة؛ ففي إحدى المحطات زار المُشاركون جُزءً شهيرًا مِن المدينة يُعرَف باسم “حي الزبّالين”.
حي الزبّالين هو أحد أنظمة جمع القمامة السبعة الموجودة حول القاهرة، التي تتعامَل مع نفايات سكان المدينة. ويجمع “الزبّالون” القمامة مِن أمام الأبواب وينقلونها إلى الحي، وتُعالَج هناك من خلال نظام إعادة التدوير الذي –بصرف النّظر عن صفته غير الرّسميّة- يتبيّن أنّه أحد أكثر أنظمة إعادة التدوير كفاءة في العالم.
وبعد رؤية واقع المكان الذي تؤول إليه القمامة النّاتجة مِن القاهرة كلّ يوم، ذهبت المجموعة إلى حديقة الأزهر للتفكير في أحداث اليوم.
يقول ميدس ديل، مدير المشروع في (Mellemfolkeligt Samvirke)، وهو مُستلقٍ على العشب في حديقة الأزهر: “لقد كان يومًا حافلًا كأننا ركبنا قطارًا سريعًا نقلنا مِن النفايات كريهة الرّائحة إلى العشب الأخضر اللطيف”.
وعلّقت مجموعة مِن المُشاركين على دور المجتمع في العديد من الأماكن التي زاروها.
يقول محمد بشير، مساعد المشروع في الهلال الأحمر المصري: “لقد رأيت كيف يُمكن للمبادرات الصّغيرة أن يكون لها أثر كبير على المجتمع؛ فقد ذكّرتنا كُلٌّ مِن سيكم وفيري نايل بالقدر الذي يُمكن أن تُغيّره مبادرة محلية صغيرة”.
قدَّم حي الزّبالين زاوية أخرى لأهميّة المجتمع، حيث قال موسى نظمي زكري، المرشد مِن حي الزبالين، بصوتٍ يملأه الفخر عندما كان يتجوّل مع المُشاركين: “هذا هو مجتمعي”.
قدَّم اختبار الجزء المحوري للمجتمع في التغيير المُستدام في مصر للمُشاركين الدنماركيين منظورًا عن الأمر مقارنةً بطريقة عمله في الدنمارك حيث غالبًا ما يأتي التغيير والمبادرات من الأعلى.
كما قالت يسرا فودة، مسؤولة المشروع في ديدي: “حيّ الزبّالين له نظام خاص به في تدوير النفايات، ساعدت هذه الزيارة الدنماركيين على فَهم مشهد الاستدامة المصري: فهنا نعمل على مستوى المجتمع، ويحدُث التغيير مِن الأسفل لأعلى، عكس الشائع في الدنمارك”.
على الرّغم مِن أهداف المُشاركين المتماثلة قبل بداية البرنامج فنقاط البداية مختلفة، حيث يعيش كل شخص داخل إطاره الخاص المكون من الظروف والتحدّيات المهنية والشخصية المحيطة به.
ركَّز البعض على كيفيّة تحويل بقايا القهوة المطحونة إلى طعام، ونظَّم آخرون رحلات للناس مِن أجل إعادة الارتباط بالطبيعة، وسعت مجموعة إلى إزالة البلاستيك من الشواطئ، بينما قامت مجموعة أخرى بخلق وإدارة مشاريع عن الاستدامة للشباب. لكن بعد أسبوعٍ حافلٍ بالخبرات التي فاجأت المشاركين وألهمتهم وغيّرتهم وتحدّتهم، حصلوا على فَهمٍ أفضل لوضعهم ووضع نظرائهم.
تقول جوزفين ماركفارد، المُؤسِّس المُشارِك لمنصّة (Gladere Gader): “لقد جعلتني معرفة الطّريقة التي يعيش بها أُناس مُختلفون هنا في مصر أن أُدرِك امتيازي وأُقدِّره”.
.
أدرك المُشاركون المصريّون الطّبقات المُختلفة في مجتمعهم، في حين تعرَّف الدنماركيّون على مجتمعٍ جديد. ومِن خلال التّعاوُن بين البلدين المُختلفين في مجالاتٍ مُختلفة، يقترب روّاد الاستدامة الشّباب مِن تحديد الحلول.
ركَّزت التّجارب في مصر على أهميّة دمج المجتمع في العملية، ورؤية كيف يُمكن للمبادرات الصّغيرة أن يكون لها تأثير كبير، سيأخذ المُشاركون هذه المعرفة الجديدة معهم عندما يُسافر المصريّون إلى الدنمارك في نوفمبر القادم مِن أجل الجزء الأخير مِن المشروع.
لمزيدٍ مِن المعلومات والاستفسارات حول هذا المشروع، يُرجى التّواصُل مع فريق المشروع:
رنا خميس، رئيسة برنامج الشراكة المدنية، rk@dedi.org.eg
يسرا فودة، مسؤولة المشروع، ywf@dedi.org.eg
يان فينتر، مستشارة المشروع، jannewintherj@gmail.com
يُمكنك قراءة المزيد هنا
يُمكنك مُشاهدة المزيد هنا