تخيّل أنّك داخل مُكبّر صوت تستمع إلى اثنين مِن الموسيقيّين التجريبيّين وآلاتهما الموسيقيّة وشغفهما المُشترك للارتجال. هذا هو تحديدًا ما عُرِض أمام جمهور مهرجان جونغ في كوبنهاغن، بمُشاركة كُلٍّ مِن موريس لوقا ولارس جريف.
بقلم/ محمد آدم
التقى موريس لوقا ولارس جريف لأوّل مرّةٍ في كوبنهاغن في أوائل سبتمبر مِن هذا العام، وكان هدفهما هو تأليف موسيقى معًا وعزفها خلال مهرجان جونغ.
يقول موريس لوقا: “لم يكُن لديّ أي فكرةٍ عن النتيجة، وكان يكفيني أن أعرف أنّ كُلًّا منّا ينتمي إلى عالَم الارتجال والتجريب”.
ويُضيف موريس لوقا قائلًا: “تلوح في الأفق دائمًا مُجازفة ألّا تسير هذه الأنواع مِن التّجارب على أفضل نحو. مع ذلك، نمت بيننا أنا ولارس لغةٌ مُشتركةٌ وتحوّل الأمر إلى تجربةٍ رائعة”.
مِن الجدير بالذّكر أنّ موريس لوقا واحدٌ مِن أكثر المُلحّنين والموسيقيّين الموهوبين في مصر، كما أنّه مِن الوجوه المألوفة في الدنمارك، وسبق أن قدّم مع فرقته ألبوم “الإخفاء” في مهرجان روزكيلد عام 2018 ثم ألبوم “ألفنتاين” عام 2019.
استطرد لارس جريف قائلًا: “بدأنا بعدّة لغات موسيقيّة مُختلفة. ومع ذلك، جرى كُلّ شيءٍ على نحو طبيعي جدًّا بعد أن أمضينا خمسة أيامٍ في التدريب والتمرين، وكُنّا نجلس معًا لمدة أربع ساعاتٍ كلّ يومٍ نتحدّث عن الموسيقى. لذلك، خلال هذه الأيام، تعرّفنا على بعضِنا البعض بمزيدٍ مِن العمق على مستوى الموسيقي، وطوّرنا لغةً مُشتركةً وحّدتنا”.
القاهرة والرّيف
لارس جريف هو عازف ساكسفون وكلارينيت ومُعلّم ومُلحّن وترشّح للحصول على جوائز دنماركيّة في الموسيقى مرّات عديدة. يُسلّط المُلحّن الدنماركي الضّوء على نشأته في الرّيف الدنماركي عند الحديث عن خلفيّته ومصادر إلهامه:
“كان مُجرّد منزل في الغابة، نشأتُ فيه وأنا أستمع إلى صوت الغابة والبحر، وهذا أثّر عليَّ كثيرًا، فالطّريقة التي أعزف بها مُستمدّة مِن صوت الرّياح والبحر والطّبيعة، وأُحاول تجسيد هذه التّأثيرات المُختلفة. قد يبدو هذا بعيدًا كُلّ البُعد عن مدينة القاهرة الصّاخبة حيث نشأ موريس لوقا.”
يُعلّق موريس لوقا: “أراها مدينة مرهقة للغاية، لكنّي لا أُفكّر في هذا حقًّا عندما أقوم بالتلحين. ومع ذلك المدينة بالطّبع لها تأثير لا شعوريًّا على الموسيقى التي أُقدّمها”.
رغم ذلك، عندما يتعلّق الأمر بالموسيقى، لا يشعر المُلحّن الدنماركي والمصري بأنّ عالمَيْهما مُنفصلان.
يُؤكّد موريس لوقا: “نتشابَه أنا ولارس كثيرًا في دوافعنا الشّخصيّة تجاه الموسيقى، فكلانا يُحبّ التجربة والارتجال. ونحن لا نلتفت إلى اختلاف الأماكن التي أتينا منها بقدر ما نعير اهتمامنا للمساحات الموسيقيّة الكبيرة التي نتشارَك بها.”
العضو الثّالث في الفرقة
عندما التقى الموسيقيّان في كوبنهاغن، قدّم لارس جريف عنصرًا جديدًا للمشروع هو محوّل الطّاقة، وهو عبارة عن جهاز اهتزاز صغير يحوّل أي جسمٍ جامدٍ إلى مُكبّر صوت.
يشرح موريس لوقا: “كانت الغرفة تتكوّن مِن جدرانٍ خشبيّةٍ وأُخرى معدنيّة، وربط لارس كلّ الجدران بمحوّل طاقة. كانت الجدران تُصدِر أصواتًا مختلفةً في أثناء العزف. أدركنا بسرعةٍ أنّ الغرفة كانت جُزءًا كبيرًا من المشروع. كان الأمر كما لو كُنّا نعزف مع شخصٍ ثالثٍ وهو الغرفة”.
أضاف موريس لوقا: “بدت بعض النّغمات أجمل بكثيرٍ مِن المُعتاد، والبعض الآخر بدا مزعجًا لكننا تمكّنّا مِن التحكّم في ذلك في أثناء العزف. مع مُكبّرات الصّوت العاديّة، كُلّ ما عليك هو إجراء فحص للصّوت مع وجود توقّعٍ مُسبقٍ لدينا لما ستبدو عليه الأصوات في صورتها النّهائية”.
يقول لارس جريف: “شعرتُ كأننا كُنّا معًا داخل مُكبّر الصّوت. بدأنا في التفاعُل معه ولمس الجدران وانتقلنا مباشرةً إلى مصدر الصّوت”.
عندما عزف الموسيقيّان في “أليس كوبنهاغن” باعتبارهما جُزءًا مِن مهرجان “جونغ” في كوبنهاغن المُقام في 10 سبتمبر قاما بدعوة الجمهور للتجوّل في الغرفة وعيش التجربة معهما.
يُوضّح لارس جريف: “إنّه أمر مُمتِع لموسيقار مثلي أن أعزف مع الجدران وأتفاعَل معها لأنّها تُؤدّي وظيفة مُكبّرات الصّوت العادية على الرّغم مِن تبايُن الصّوت الناتج مِن كُلّ جدار. كانت التجربة ممتعةً للجمهور أيضًا لأنّهم تجوّلوا في الغرفة وتغيّر الصّوت الذي يسمعونه حسب مكان وقوفهم بين الجدران”.
عادةً ما يُغمض لارس جريف عينيه وهو يعزف، إلا أنّه شعر فجأةً في أثناء الحفل بوجود شخصٍ ما أمامه أو بجانبه.
يُعلّق لارس جريف: “كان النّاس يتجوّلون ولديهم فضول كبير. عادةً ما يكون مِن الصّعب فَهم الموسيقى التجريبيّة، لكن في هذه الحالة شعر الناس بالفضول وهو الشّعور الوحيد المطلوب”.
تعاوُن مُستمرّ
في يناير القادم، تشهد القاهرة يومين آخرين مِن التأليف والأداء المُشترك.
يتحدّث لارس جريف قائلًا: “لا أعرف شيئًا عن الوضع في مصر لكن في الدنمارك يُمكن أن يكون الناس مُتحفّظين قليلًا عندما يتعلّق الأمر بالحفلات الموسيقيّة؛ فالعادة جرت أن يجلسوا في أماكنهم ليستمتعوا بالموسيقى. لكن في حفلتِنا الموسيقيّة، كان النّاس يتجوّلون كما لو كُنّا جميعًا وِحدة واحدة داخل مُكبّر صوت”.
ثمّ أضاف: “نأمل في تلبية توقّعات جمهور الموسيقى في القاهرة. ونظرًا لأنّ الأمر ارتجاليًّا فإننا سنتكيّف مع الوضع في أثناء العزف إذا كان الناس في القاهرة يُفضّلون الرّقص”.
ويختم موريس لوقا حديثه قائلًا: “نتشوّق للأداء في القاهرة، فقد كانت تجربةً ملهمةً للغاية على جميع المُستويات وتجاوزت كلّ توقّعاتي. تواصَلت مع لارس على المستوى الشّخصي وأبحرنا معًا إلى مُستويات موسيقيّة مختلفة. لقد قمنا بالعديد من التسجيلات وسنواصِل العزف معًا. إنّه أمر واعد جدًّا.”
يُمكنك مُشاهدة أعمال لارس جريف وموريس لوقا وسماعها هنا:
https://www.dr.dk/lyd/p8jazz/jazzoom/jazzoom-2021-09-01
https://www.facebook.com/watch/?v=1956891361154938
https://www.facebook.com/watch/?v=145000437798710
يُمكنك قراءة المزيد هنا:
https://mauricelouca.bandcamp.com/
يُمكنك مُشاهدة المزيد من أعمال ديدي هنا: